فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.خزانات الماء تحت سطح الأرض:

تنقسم خزانات الماء تحت سطح الأرض إلى نوعين رئيسيين كما يلي:
(1) خزانات ماء مالح أو شديد الملوحة: وهذا الماء محتبس بين مسام الصخور الرسوبية المتجمعة في البحار القديمة التي كانت تغمر مساحات كبيرة من يابسة اليوم وانحسرت عنها، وبقي هذا الماء المالح بل الشديد الملوحة في بعض الأحيان محصورا بين حبيبات تلك الصخور الترسيبية القديمة لملايين السنين حيث تزداد ملوحته باستمرار تعرضه لشيء من التفاعلات الكيميائية من مثل إذابة المزيد من الأملاح والفيزيائية من مثل البخر.
وهذا الماء المالح عادة ما يوجد على أعماق بعيدة نسبيا من سطح الأرض، ومن أمثلته الماء المصاحب للنفط في مكامنه.
(2) خزانات ماء قليل الملوحة إلى متوسط الملوحة.
وهو ماء متجمع من ماء المطر النازل من السماء بمتوسط ملوحة دون 20 جزءا في المليون على طبقات من الصخور المسامية والمنفذة فيتحرك ماء المطر فيها بفعل الجاذبية الأرضية أولا متجها إلى الأسفل أي: إلى مستويات أدني من سطح الأرض حيث تزداد ملوحته بالتدريج، وتستمر هذه الحركة الرأسية للماء حتى تتضاءل المسامية والنفاذية، وهنا يبدأ ماء المطر في التحرك جانبيا فوق طبقات قليلة المسامية والنفاذية أو عديمتهما لتكون خزانا مائيا تحت سطح الأرض، وإن كانت الطبقات مائلة فإن الماء يتحرك في اتجاه ميل الطبقات حتى يصل إلى الماء المالح المحصور بين حبيبات الرسوبيات التي تجمعت في البحار القديمة السابقة التي انحسرت عن الأرض منذ ملايين السنين، فيتجمع الماء القليل الملوحة طافيا فوق الماء المالح والشديد الملوحة للفرق بين كثافة الماءين.
ولولا مسامية ونفاذية بعض صخور الأرض، ما تجمع ماء المطر، ولا أسكن في الأرض، ولولا التغيرات الرأسية والجانبية في كل من المسامية والنفاذية ما أمكن خزن أي من ماء المطر، ولا أمكن اسكانه في صخور الأرض على هيئة مكامن مائية لآلاف بل لعشرات الآلاف من السنين إن لم يكن لملايين السنين في بعض الأحوال، حتى يستفيد به أجيال من الخلق خزنه الله-تعالى- لهم بعلمه وقدرته وحكمته...!!!
ولولا حفظ هذه المكامن المائية من أخطار الحركات الأرضية من مثل الخسوف والتصدعات الأرضية، والثورات البركانية، والمتداخلات النارية ما بقيت تلك المكامن المائية بل دمرت بالكامل، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى: {وإنا على ذهاب به لقادرون} [المؤمنون:18].
وقال عز من قائل: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين} [الملك:30].
وقد يغور الماء المخزون في صخور القشرة الأرضية بتكون الصدوع والخسوف الأرضية، كما قد يغور بالضخ المفرط الزائد عن معدل تدفق الماء إلى البئر، وفي الحالتين لا يحفظ الماء في صخور الأرض أو يعوضه إذا غار الا رب العالمين. ويخرج الماء من تحت سطح الأرض بقوة وعنف اذا كان واقعا تحت ضغوط عالية، وقد يخرج بطريقة طبيعية على هيئة العيون والينابيع الطبيعية، التي قد تشارك في تغذية بعض الأنهار أو البحيرات ولكن اذا كان الماء تحت سطح الأرض تحت ضغوط منخفضة فإنه لا يمكن الوصول اليه الا بتشقق الأرض عنه أو بالحفر عليه.
ويصف القرآن الكريم هاتين الحالتين بقول الحق-تبارك وتعالى-: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإ ن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} [البقرة:74].
وتتراوح مسامية الصخور الخازنة للماء تحت سطح الأرض بين 20% و30% وإن تدنت في بعض الحالات إلى 5% أو زادت إلى 60%، وتختلف درجة اتصال هذه الفراغات مع بعضها البعض باختلاف الصخور، وتعرف هذه الخاصية باسم النفاذية، ويستدل بها على قدرة الصخور في إنفاذ السوائل من خلالها، علما بأن حركة السوائل في الصخور بطيئة بصفة عامة، وإن كانت في حركة دائبة. ولولا هذا الاعداد المتقن لصخور الأرض، وتمايزها في مساميتها ونفاذيتها، وظهور تلك الطبقات المنفذة على سطح الأرض، وتبادلها مع طبقات مصمتة أو غير منفذة، ولولا الأحكام الشديد في دورة الماء حول الأرض، ولولا اخراج هذا الماء أصلا من داخل الأرض ما أمكن لهذا الكوكب أن يكون صالحا للحياة من أي شكل ولون، ولذلك يمن علينا ربنا-تبارك وتعالى- بقوله-عز من قائل-: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون} [المؤمنون:18].
وهي حقائق تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق، كما تشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة، لأنه لم يكن لأحد في زمن البعثة المحمدية الشريفة ولا لقرون متطاولة من بعدها إلمام بأي من تلك الحقائق، فسبحان منزل القرآن بعلمه، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله، وعلي كل من تبع هداه ودعا بدعوته، واستن بسنته، والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.تفسير الآيات (20- 22):

قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه ما إذا عصر كان ماء لا ينفع للاصطباح، أتبعه ما إذا عصر كان دهنًا يعم الاصطباح والاصطباغ، وفصله عنه لأنه أدل على القدرة فقال: {وشجرة} أي وأنشأنا به شجرة، أي زيتونة {تخرج من طور}.
ولما كان السياق للإمداد بالنعم، ناسبه المد فقال: {سيناء} قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: وهو طور سينين، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.
وقال صاحب القاموس: والطور: الجبل، وجبل قرب أيلة يضاف إلى سيناء وسينين، وجبل بالشام، وقيل: هو المضاف إلى سيناء، وجبل بالقدس عن يمين المسجد، وآخر عن قبليه، به قبر هارون عليه السلام، مجبل برأس العين،- وآخر مطلّ على طبرية- انتهى.
وهو اسم مركب من الاسمين، وقيل: بل هو مضاف إلى سيناء، ومعنى سيناء الحسن، وقيل: المبارك، وقيل: هو حجارة معروفة، وقيل شجر، ولعله خصه من بين الأطوار لقربه من المخاطبين أولًا بهذا القرآن، وهم العرب، ولغرابة نبت الزيتون به لأنه في بلاد الحر والزيتون من نبات الأرض الباردة، ولتمحضه لأن يكون نبته مما أنزل من السماء من الماء لعلوه جدًا، وبعد من أن يدعي أن ما فيه من النداوة من الماء من البحر لأن الإمام أبا العباس أحمد ابن القاص من قدماء أصحاب الشافعي حكى في كتابه أدلة القبلة أنه يصعد إلى أعلاه في ستة آلاف مرقاة وستمائة وست وستين مرقاة، قال: وهي مثل الدرج من الصخر، فإذا انتهى إلى مقدار النصف من الطريق يصير إلى مستواه من الأرض فيها أشجار وماء عذب، في هذا الموضع كنيسة على اسم إيليا النبي عليه السلام، وفيه مغار، ويقال: إن إيليا عليه السلام لما هرب من إزقيل الملك اختفى فيه؛ ثم يصعد من هذا الموضع في الدرج حتى ينتهي إلى قلة الجبل، وفي قلبه كنيسة بنيت على اسم موسى عليه السلام بأساطين رخام، أبوابها من الصفر والحديد، وسقفها من خشب الصنوبر، وأعلى سقوفها أطباق رصاص قد أحكمت بغاية الإحكام، وليس فيها إلا رجل راهب يصلي ويدخن ويسرج قناديلها، ولا يمكن أحدًا أن ينام فيها ألبتة، وقد اتخذ هذا الراهب لنفسه خارجًا من الكنيسة بيتًا صغيرًا يأوي فيه، وهذه الكنيسة بنيت في المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام، وحواليه- أي حوالي الجبل- من أسفله ستة آلاف ما بين دير وصومعة للرهبان والمتعبدين، كان يحمل إليهم خراج مصر في أيام ملك الروم للنفقة على الديارات وغيرها، وليس اليوم بها إلا مقدار سبعين راهبًا يأوون في الدير الذي داخل الحصن، وفي أكثرها يأوي أعراب بني رمادة، وعلى الجبل مائة صومعة، وأشجار هذا الجبل اللوز والسرو، وإذا هبطت من الطور أشرفت على عقبة تهبط منها فتسير خطوات فتنتهي إلى دير النصراني: حُصين عليه سور من حجارة منحوتة ذات شرف عليه بابان من حديد، وفي جوف هذا الدير عين ماء عذب، وعلى هذه العين درابزين من نحاس لئلا يسقط في العين أحد، وقد هيىء براتج رصاص يجري فيها الماء إلى كروم لهم حول الدير، ويقال: إن هذا الدير هو الموضع الذي رأى موسى عليه السلام فيه النار في الشجرة العليق، وقبلة من بها دبر الكعبة، وفيه يقول القائل:
عجب الطور من ثباتك موسى ** حين ناجاك بالكلام الجليل

والطور من جملة كور مصر، منه إلى بلد قلزم على البر مسيرة أربعة أيام، ومنه إلى فسطاط مصر مسيرة سبعة أيام- انتهى كلام ابن القاص، وسألت أنا من له خبرة بالجبل المذكور: هل به أشجار الزيتون؟ فأخبرني أنه لم ير به شيئًا منها، وإنما رآها فيما حوله في قرار الأرض، وهي كثيرة وزيتونها مع كبره أطيب من غيره، فإن كان ذلك كذلك فهو أغرب مما لو كانت به، لأنه لعلوه أبرد مما سفل من الأرض، فهو بها أولى، وظهر لي- والله أعلم- أن حكمة تقدير الله تعالى أن يكون عدد الدرج ما ذكر موافقة زمان الإيجاد الأول لمكان الإبقاء الأول، وذلك أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو الإيجاد الأول، وكلم موسى عليه الصلاة والسلام، وكتب له الألواح في هذا الجبل، ثم أتم له التوراة وهي أعظم الكتب بعد القرآن، وبالكتب السماوية والشرائع الربانية انتظام البقاء الأول، كما سلف في الفاتحة والأنعام والكهف.